قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [سورة الفتح:18].
يعتبّر فتح مكة من الأحدث والوقائع العظيمة الفاصلة في التاريخ الإسلامي التي أعزّ الله فيها دينه وأذل أعداءه، حيث إنّه بهذا الفتح خسر الكفار أهم معاقلهم في البلاد العربيّة، ودخل الناس في الدين الإسلامي أفواجاً، وأصبحت مكة المكرمة قلعة منيعة للدين الإسلامي دين التوحيد والهداية.
سبب فتح مكة
كان من بنود صلح الحديبية الذي تم توقيعه في السنة السادسة للهجرة ما بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبني قريش، أن من يريد الدخول في حلف النبي عليه الصلاة والسلام وعهده دخل فيه، ومن يريد الدخول في حلف بني قريش وعهدهم دخل فيه، حيث دخلت قبيلة "بني خزاعة" في عهد النبي الأمين، ودخلت قبيلة "بنو بكر" في عهد بني قريش.
كان بين تلك القبيلتين حروب مستمرّة، فأغارت قبيلة "بنو بكر" على قبيلة بني خزاعة لنيل ثأر قديم فقتلوا منهم مجموعة، وساعدتهم قبيلة قريش بالخفية بالسلاح والرجال، ممّا أدى لخرق بنود الصلح، فأرسلوا قبيلة خزاعة إلى الرسول يخبرونه بأنّ قريش غدروا بحلفائهم. وبسبب ذلك أمر الرسول المسلمين بالاستعداد للخروج إلى مكة لنصرة حلفائهم بني خزاعة، وأوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بكتم الأمر عن قريش حتى يباغتهم بجيش المسلمين.
أحداث فتح مكة
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم العاشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة من المدينة المنوّرة من أجل فتح مكة بجيش قوامه 10000 رجل من أصحابه، وطلب من القبائل المسلمة ممّن حول المدينة المنورة الخروج معه فلحق به منهم 2000 رجل، فبذلك أصبح مجموع جيش المسلمين 12 ألف رجل.
توجه جيش المسلمين إلى مكّة، وعندما وصل النبي الكريم إلى منطقة ذي طوى قام بتوزيع جيشه لثلاثة أقسام: قسم يقوده خالد بن الوليد لدخول مكة من أسفلها، وقسم يقوده الزبير بن العوام لدخول مكة من أعلاها، وقسم يقوده أبو عبيدة عامر بن الجراح ليسلك بطن الوادي، وأمرهم الرسول بأن لا يقاتلوا إلا من يقاتلهم.
دخل جيش المسلمين مكة ولم يواجههم أي جيش يحاربهم من أهلها إلا اشتباك محدود حدث ما بين مجموعة خالد بن الوليد ومجموعة قليلة من بني قريش يقودهم عكرمة بن أبي جهل، ثم دخل الرسول إلى مكة من أعلاها حتى وصل المسجد الحرام، فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم طاف بالبيت الحرام، وحطم الأصنام الموجودة حول الكعبة.
تجمّع رجال بني قريش ينتظرون ما سيفعله بهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فتوجه إليهم وقال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟"، فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: "فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: "لا تثريب عليكم اليوم"، اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ثم أمر بلال بأن يصعد إلى الكعبة ويؤذّن للصلاة وقريش تسمع.